كيف غيرت القصة مجرى التاريخ؟
تاريخ التحديث: ١١ يونيو ٢٠٢١

فن القصة فن من قديم الأزل، ولقد تفنن كل شعب في خلق أساطيره التي تعبر عن طبيعته الإجتماعية وأفكاره المتنوعة. والأسطورة تختلف عن القصة قليلًا في كونها خليطًا من الدين والفلسفة والتاريخ، صبغت بصبغة الإطناب والمغالاة لإظهار أهمية تلك الحادثة الحقيقية التي حدثت في جيل زال أثره في ذهن الناس.
ورغم الإطناب والمغالاة التي تحويه إلا أنها تنقل جزءًا من الحقيقية، والتي يمكن أن تستشفها عقولنا وتدركها بقليل من البحث والتأني والمقارنة، حتى وإن صاحبها الكثير من الخرافات. ولذلك هي أداة لدراسة الشعوب القديمة.
هذا ما كان في ماهيتها، أما عن كيفية تأثيرها في مجرى التاريخ، فهي تستخدم كأسلوب للتأثير والإقناع، وتخفي الحقيقية بين طياتها وتقول بشكل مبطن ما يصعب قوله صراحة، وهذا يجعلها أسهل في التداول والانتشار. كما أنها تبث الأمل والعزيمة في مستمعيها.
فمثلًا: جاءت حكايات كليلة ودمنة الهندية لتعبر عن طبيعة المجتمع الهندي، وتوضح كيف استطاع بيدبا الحكيم الهندي أن يجعل بقصصه الحاكم دبشليم رجلًا عادلًا مع شعبه، ومراعيًا للحكمة في حكمه.
لا شك أن أسلوبه القصصي الذي استعمله في إقناع الحاكم قد غير عهده وبالتالي مجرى التاريخ.
تلك القصص التي كتبها ابن المقفع قد تناولت خرافات الحيوانات في موضوعها، لكن المغزى السياسي منها قد كان واضحًا للغاية.
وبالعودة إلى الوراء قليلا نجد الأساطير اليونانية والرومانية - كأسطورة الإلياذة والأونيسا - تحكي عن حرب حقيقة، ولكن الشاعر يتلاعب في القصة ويجعلها حول الآلهة، وعن تلاعبها بمصائر البشر حتى يضمن لها جمهورًا، وذلك لأن الجمهور أيامها كان لا ينجذب للقصص التي لا تسرد فيها الآلهة بكثرة.
هنا تتلبس الحقيقية في القصة لباسًا آخر وتظهر بشكل متقبل، ويساهم ذلك في نقلها وتداولها. وساهم تداولها في الكشف عن جزء من حقيقة مدينة طروادة وحصار اليونان لها قديمًا، وذلك رغم خرافات القصة العديدة .

ونعود للعرب فنجد حكايات ألف ليلة وليلة التي تبين مدى استقباح الشعوب القديمة للسود واضطهادهم للمرأة ، وكان الاثنان رمزًا للخيانة في مختلف القصص التي سردتها البطلة شهر زاد للبطل شهريار.
عانى شهريار من خيانة إحدى زوجاته على يد عبد أسود، فما كان منه إلا أن قرر الانتقام من كل فتاة، حتى أتت شهرزاد في محاولة أن توقف هذا الانتقام وترده إلى عقله.
وفي أوروبا أثناء العصور الوسطى المظلمة، عانى الفقراء كثيرا بالمقارنة بالملوك والأغنياء. فظهرت أسطورية روبن هود لتعطي الكثيرين أملًا في تغيير حياتهم لما هو أفضل. وذلك في صورة نهب البطل للأغنياء وإعطاء الفقراء، ليحقق العدالة الاجتماعية المفقودة في هذا العصر، ويبعث الأمل في الفقراء.
